بسم الله الرحمن الرحيم،
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين، ولا سيما بقية الله في الأرضين.
يا مقلّب القلوب والأبصار، يا مدبّر الليل والنهار، يا محوّل الحول والأحوال، حوّل حالنا إلى أحسن الحال.
أباركُ عيدَ النوروز وبدايةَ السنةِ الجديدة والطبيعة الجديدة واليوم الجديد والعصر الجديد، الذي تقارَنَ هذا العامَ مع أيامِ النصفِ من شعبان المرتبطةِ بالشّمسِ الساطعةِ لعالم الوجود، بقيةِ الله، أرواحنا فداه.
أباركُ هذه المناسبةَ للشعبِ الإيراني العظيم والشعوبِ جميعاً المتكاتفة وذاتِ المشتركات. وأخصّ بالمباركةِ ذوي الشهداءِ المبجّلين وعائلاتهم الصبورة المكرمة، سائلاً الله أن يديمَ ظلَّ هذه الأسرِ الكريمة على رؤوسِنا ورؤوسِ أبناء الشعب الإيراني. كما أتقدم بالمباركةِ إلى الجرحى الأعزّاء وعائلاتهم المضحيّةِ والصابرة، وإلى المضحّين جميعاً، وكلّ من يقدّم بإخلاصٍ الخدماتِ إلى الشعب الإيراني في مختلف الميادين، سواء في ميدان الصحّة أو ميدان الأمن أو ميدان المقاومة أو ميدان العلم. أبارك لهؤلاءِ الأعزاء جميعاً هذا اليومَ العذب والعيدَ المبارك.
مرّت سنةٌ أخرى، وانقضى عامُ 1400 بحلاواته ومرارته وتعرّجاته كلها، وهذا أمرٌ طبيعي في الحياة. فالحياةُ الإنسانية مجموعةٌ من حالات الصعود والهبوط وألوانِ الحلاوة والمرارة.
وهنا أشيرُ إلى بعض نقاط الذّروة والمحطّات والإنجازات العذبة في الأحداث التي شهدها الشّعب الإيرانيّ، ومنها قضيةُ الانتخابات. فالانتخاباتُ كانت خطوةً مهمة وعظيمة حقاً. فرغم ظروفِ شدةِ المرض المتفشّي، جائحةِ كورونا في بدايات العام الماضي، حضر الناس عند صناديقِ الاقتراع وأدلَوْا بأصواتهم. هذا أمرٌ مهم، فقد أُجريتِ الانتخاباتُ في ظروفٍ كان يُعدّ اجتماعُ شخصينِ اثنين خلالَها أمراً خطيراً، وفي أيامٍ كنا نشهدُ فيها وفاةَ المئاتِ وربما خمسمئة أو ستمئة أو ربما أكثرَ من ذلك يومياً. في مثل هذه الظروفِ، أُجريت الانتخاباتُ وحضر الناسُ وشاركوا فيها وانبثق عنها حكومةٌ بنَفَسٍ جديد، ويبدو من بعض القرائنِ أنها حكومةٌ شعبية ترغب في اتخاذ خطواتٍ شعبية وتحقيق أهداف شعبيةٍ لتحقيق الأهداف، ولديها مسار مختلف عن الحكومةِ المحترمةِ السابقة وهي تسير فيه، وقد أحيَت آمالاً جديدة في قلوب الناس، بحمد الله. هذا كان من إحدى محطات النهوض وذروة الأحداث التي شهدها الشعبُ الإيراني.
الأنموذجُ الآخرُ كان في المكافحةِ الجادة لجائحة كورونا المتفشية، وكانت مكافحةً ومعالجة بالمعنى الحقيقي للكلمة. فعددُ الضحايا نَزَلَ من مئاتٍ في اليوم إلى عشرين أو ثمانية عشر خلال مدة معينة، ووصل إلى هذا الحد مع أنه ارتفع قليلاً مرة أخرى، لكنَّ الفرقَ شاسعٌ بين الوضع الجديد لمّا تمّ توفير اللقاح للجميع، وبين الأوضاع التي شهدناها سابقاً.
نقطةُ الذُّروة الأخرى تحقّقت في مجالِ التقدم العلمي والتِّقْني، خاصةً مع إنتاجِ أنواعٍ عدةٍ من اللقاحاتِ في البلاد التي حظيَ بعضُها أيضاً بشهادات عالمية، ومختلفِ التحرّكات العلميةِ والتِّقنية انطلاقاً من إنتاج اللقاح حتى الأقمارِ الاصطناعية، وقد أُنجزت في الجوانب كلّها - بحمد الله - أعمال مهمّة على مستوى البلاد. هذه كانت بعضَ نقاطِ الذّروة عام 1400، وأيضاً كان هناك في الداخلِ حوادثُ متنوعةٌ أخرى، وكان هناك أمور أخرى مفرحة أيضاً.
على الصعيدِ العالمي، كان الأمرُ كذلك. ومن أهم الأحداث السارّة عامَ 1400 اعترافُ الأمريكيين - في المدة الأخيرة طبعاً - حينَ قالوا بلسانهم إننا تحمَّلْنا هزيمةً مخزية في فرضِ الضغوطات القصوى على إيران، وتعبيرُ «الهزيمة المخزية» هو تعبير الأمريكيين أنفسهم. إنَّ هذا حدثٌ مهم، فقدِ انتصرَ الشعب الإيراني وحقق النّجاح. ولا يمكنُ لأحدٍ أن ينسب ذلك لنفسه في ذلك، لأن صمود الشعبِ الإيراني هو الذي أدى إلى تحقيق مثل هذا الانتصارَ العظيم. كما جرت أحداث أخرى متعددةً سواء بالقرب منا أو في مناطق بعيدة، وأثبتت جميعُها صحّةَ نهج الشعب الإيراني في مواجهة الاستكبار، وأنَّ النهجَ القويم هو ذلك الذي يسلكه الشعبُ الإيراني في مقارعة الاستكبار. حسناً، هذه كانت الأمور السارّة.
ثمة مراراتٌ أيضاً، وأذكرُ منها ما أراه الأصعبَ والأهم، وهي الضائقةُ المعيشيّةُ للناس، وقضيةُ غلاء الأسعار والتضخّمُ وأمثال هذه الأمور التي لا بدّ من معالجتها حتماً، وهي قابلةٌ للعلاج. هذه المشكلات الاقتصادية نأملُ معالجةَ أجزاءٍ منها في العام الجديد، لأنه من غير الممكن معالجتها دفعةً واحدة، بل يجري ذلك بالتدريج. فالاستعجالُ والقول بحلحلة هذه المشكلة فوراً لا يُعبّران عن رؤية واقعية، لكن - إن شاء الله - نأمل التغلب على بعضها خلال 1401، وهو العامُ الأول في القرن الجديد، أي القرنِ الخامس عشر وفق التقويم الهجري الشمسي.
لقد طرحنا في كل عامٍ من الأعوام السابقة عنواناً ليكون شعار العام، وذلك لتصويب تحركاتِ المسؤولين، ولا سيما في السلطة التنفيذية وإلى جانبها السلطتان التشريعيةُ والقضائية، وحتى أفراد الشعب كلُّهم في المجالاتِ المرتبطة بهم مباشرة، أي تصويبها في ذلك الاتجاه. وتحققتْ في بعض الأعوام نجاحاتٌ جيدة في مجال شعار العام، فيما كان هناك بالطبع نوعٌ من التقصير في بعض الأعوام أيضاً.
في عام 1400 الماضي، طرحنا شعار «الإنتاج والدعم وإزالة الموانع»، وتم اتخاذُ خطواتٍ جيدة نسبياً وهي لا تزال مستمرة، وينبغي أن تتواصل. خلال السنوات الأخيرة جعلت «الإنتاج» محوراً أساسياً لشعار العام، مع تقييده أو تخصيصه بخصوصية ما، والسبب هو أن الإنتاج يُعدُّ المفتاحَ لحل المشكلات الاقتصادية للبلاد. فالإنتاجُ الوطني هو الطريقُ الأساسي حقاً لتجاوزِ الصعوباتِ والمعضلات الاقتصادية في البلد، فأهم قضايا الاقتصاد في البلد من الممكن معالجتُها عبر الإنتاج ورواجِ الإنتاج الوطنيّ وازدهاره. هذه هي طبيعة الإنتاج، ولذلك أكدنا دائماً أهميةَ الإنتاج لأن من شأنه أن يرفعَ النموَّ الاقتصادي، ويحققَ فرصَ عملٍ جديدة، ويقللَّ التضخم، ويزيد معدلَ الدخل، ويؤدي إلى الرفاهية العامة. وله بالإضافة إلى ذلك آثارٌ نفسية، فهو يرفع الثقةَ بالذاتِ والشعورَ بالعزةِ لدى الشعب. فالإنتاجُ الوطنيّ مثل هذا الإكسير. وهو حدث على هذا المستوى من الأهمية إن شقّ الإنتاج الوطني طريقه إلى الأمام بأفضل ما هو ممكن، إن شاء الله. لذلك، أكدنا قضيةَ الإنتاج في السنين الأخيرة، فلم يكن بلا تأثير، بل كان له تأثيراتٌ جيدة، بحمد الله.
أريد أن أكررَّ هذا العامَ أيضاً قضيةَ الإنتاج لكن بثوبٍ جديد وعلى مستوى آخر، وهو الإنتاج الذي يتمتع بخصوصيتين: أن يوفر فرصَ العمل، وأن يكون إنتاجاً معرفياً. فإنتاجُ المعرفة الذي يعتمد على العلم والمعرفة والعلوم الجديدة والتقدم العلمي، والإنتاج المولّد لفرص العملِ، هو المطلوب. بالطبع. كلُّ إنتاجٍ يولّد فرص عمل لكن بعضه رغم حاجته إلى تمويلٍ عظيم لا يوفر فرصاً كثيرة للعمل، وأما بعضُه الآخر، فيرفع مستوى العمالة، وسأوضح ذلك قدر الإمكان في كلمتي غداً إن شاء الله.
إنْ تمسّكْنا بالإنتاج المعرفي وصوّبْنا بوصلةَ إنتاجِنا باتجاه إنتاج المعرفة بخصائصه التي سأذكرها في خطاب رأس السنة غداً، يبدو لي أننا سنحقق خطوةً جيّدة ونقلة ملحوظة إلى الأمام في أهدافنا الاقتصادية هذه جميعِها، إن شاء الله. وكذلك الأمرُ في قضية توفير فرص العمل. لذلك إنَّ شعارنا لهذا العام هو «الإنتاج: المعرفي المولّدُ لفرص العمل». هذا هو الإنتاج المطلوب، وإنني أطلب بجدٍّ كما أكدتُ ذلك في العام الماضي: ألّا يكتفي الإخوةُ بإدراج هذا العنوانِ على الأوراق الرسمية للدوائر المختلفة أو اللوحاتِ الإعلانية في الشوارعِ والطرقات، فهذا ليس العملَ المطلوب، وإنما الأهمُّ والأساس وضعُ السياسات بما يحقّق الشعارَ بكل ما للكلمة من معنى. وأرى أن هذه الحكومةَ بما أشاهده عبر الأوضاع والتحرّكِ الذي يفعله رئيس الجمهورية المحترم وزملاؤه ستحقّق التقدّم - إن شاء الله - ولن يُترك هذا الشعارُ سدىً، بتوفيق من الله. مع ذلك، كلما ازداد التطبيقُ وتضافرت الجهود، فسيؤدي ذلك إلى الأفضل.
أملنا أن يمنَّ الله المُتعالي على الشعب الإيراني العزيز في هذا العام وهذا العيدِ وهذه الفرصةِ المغتنمة في العامِ الجديد كلَّ الخير، وأن يُسعد قلوبَ الناس، ويجعل حياتهم عذبةً حلوة، ويُفرح نفوس الناس، إن شاء الله.
ونسأله السعادةَ والرضوان لأرواح شهدائنا الأبرار، ولروح إمامنا العظيم الإمام الخميني الراحل، رضوان الله عليه.
أسأل الله - عز وجل - أن يبلّغ عنا كلَّ التحيةِ والحبِّ والإخلاص لتراب مقدم بقية الله الأعظم، أرواحنا فداه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.